حج عبدالملك بن مروان، وحج معه خالد بن يزيد بن معاوية، وكان خالد هذا من رجالات قريش المعدودين وعلمائهم، عظيم القدر جليل المنزلة، مهيب المجلس، موقرا معظما عند عبد الملك .
فبينما خالد يطوف بالبيت اذ ابصر برملة بنت الزبير بن العوام، فعشقها عشقا شديدا، وأخذت بجميع قلبه، وتغير عليه الحال، ولم يملك من امره شيئا، فلما اراد عبد الملك الرجوع همّ خالد بالتخلف عنه، فبعث اليه عبدالملك وسأله عن امره .
فقال : ايها الامير، رملة بنت الزبير رأيتها تطوف بالبيت، فأذهلت عقلي، فوالله ما ابديتُ لك ما بي الا حين عيل صبري، ولقد عرضت النوم على عيني فلم تقبله، والسلوَّ على قلبي فامتنع منه .
فأطال عبدالملك التعجب من ذلك، وقال: ما كنت اقول ان الهوى يستأسر مثلك؟
- فقال خالد: واني لأشد تعجبا من تعجبك مني، فلقد كنت اقول: ان الهوى لا يتمكن الا من صنفين من الناس : الأعراب والشعراء .
1- أما الشعراء : فإنهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء والغزل، فمال طبعهم الى النساء، فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى فاستسلموا له منقادين .
2- وأما الاعراب: فإن احدهم يخلو بامرأة فلا يكون الغالب عنده الا حبه لها .
وجملة امري: اني ما رأيت نظرة حسّنت عندي ركوب الاثم مثل نظرتي هذه .<br />فتبسم عبدالملك وقال: أو كل هذا بلغ بك؟
- فقال: والله ما عرفت هذه البلية قبل وقتي هذا .
فوجّه عبدالملك الى آل الزبير يخطب رملة على خالد ،
قول : فذكروا لها ذلك، فقالت: لا والله أو يطلق نساءه، فطلق امرأتين كانتا عنده، وتزوجها وظعن بها الى الشام،
أليس يزيد السير في كل ليلةٍ *** وفي كل يوم من احبتنا قُربا
أحِنُّ الى بنت الزبير وقد عدت *** بنا العيس خرقا من تهامة او نقبا
اذا نزلت ارضاً تحبب اهلها *** الينا وان كانت منازلها حربا
وان نزلت ماء وان كان قبلها *** مليحا وجدنا ماءه باردا عذبا
تجول خلاخيل النساء ولا ارى *** لرملة خلخالا يجول ولا قلبا
احب بني العوام طراً لحبها *** ومن حبها احببت اخوالها كلبا
- قلت لمحدثي: فأنت ترى ان خالدا هذا كان مشغولا بعلم الكيميا وغيرها من علوم ، ولم يكن له شغل بالنساء، ولكن لما توافرت دواعيها عرف الهوى واكتوى بناره، ووقع في غرام امرأة هي من آل الزبير الذين هم اعداء لبني امية، ورغم ذلك تحولت العداوة الى عشق وهيام، بل تحول الماء المالح الى ماء عذب، كما ذكر في ابياته، بل تحبب الى كل اخوالها وان كانوا من قبل اعداء له .